للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: ١٨] فَنَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الْمُخَلَّفِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا، وَأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَاَلَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُعْجِبَهُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا أَوْلَادَهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ: أَنَّهُمْ مَقْبُولَةٌ تَوْبَتُهُمْ إنْ تَابُوا فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ، وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ بَاطِنَهُمْ: أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَحِيحَ التَّوْبَةِ مُطِيعًا إذَا دُعِيَ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْجِهَادِ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَأَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَذَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَذَابًا أَلِيمًا.

فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَفَرُوا ثُمَّ تَابُوا فَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ، وَلَمْ يَعْرِفْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ التَّوْبَةِ مَنْ مِنْهُمْ الصَّادِقُ فِي سِرِّ أَمْرِهِ، وَلَا مَنْ مِنْهُمْ الْكُفْرُ فِي بَاطِنِ مُعْتَقَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بِشَهَادَةِ النُّصُوصِ، كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ} [التوبة: ٨٦] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨٧] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَهَذِهِ نَصُّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَيْضًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِيهَا، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ} [التوبة: ٩٠] إلَى قَوْله تَعَالَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٠] .

قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ، إلَّا أَنَّ كُلَّهُمْ عُصَاةٌ، فَأَمَّا الْمُبْطِنُونَ لِلْكُفْرِ مِنْهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا عَلِمَهُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ.

وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [التوبة: ٩٣] إلَى قَوْلِهِ {عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٩٦] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ فِيهِمْ مَنْ كَفَرَ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْجَأَ أَمْرَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: ٩٤] .

فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَاتَّفَقَتْ الْآيَاتُ كُلُّهَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>