للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَكِنَّهَا صِفَةٌ يَعْرِفُهَا مِنْ نَفْسِهِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ، إلَّا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: ٢٤] بَيَانٌ جَلِيٌّ عَلَى بَسْطِ التَّوْبَةِ لَهُمْ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ مُعْتَرِفٌ بِالْإِسْلَامِ، لَائِذٌ بِالتَّوْبَةِ فِيمَا صَحَّ عَلَيْهِمْ، مِنْ قَوْلٍ يَكُونُ كُفْرًا وَمَعْصِيَةً.

فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَيَعْرِفُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ فِي بَاطِنِهِمْ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: ١] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [النساء: ٨١] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ مَضَى قَوْلُنَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: ١] .

وَقَالَ تَعَالَى {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: ٤٨] لَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَرْكِ قِتَالِ الْكَافِرِينَ وَإِصْغَارِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَقَالَ تَعَالَى {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: ٦٠] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب: ٦٢] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ، وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ: لَيُغْرِيَنَّ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَهُ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا - وَإِعْرَابُ - مَلْعُونِينَ - أَنَّهُ حَالٌ لِمُجَاوَرَتِهِمْ - مَعْنَاهُ لَا يُجَاوِرُونَهُ إلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ.

وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ هَذَا لَقَالَ: مَلْعُونُونَ عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى بِأَنَّ هَذَا هُوَ سُنَّتَهُ تَعَالَى الَّتِي لَا تَتَبَدَّلُ.

فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَعَلِمَ نِفَاقَهُمْ، هَلْ انْتَهَوْا أَوْ لَمْ يَنْتَهُوا؟ فَإِنْ قَالَ: انْتَهَوْا، رَجَعَ إلَى الْحَقِّ، وَصَحَّ أَنَّهُمْ تَابُوا وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ - فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>