زَيْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالَ شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقِي فِي إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ» .
قَالَ: وَقَوْلُهُ {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: ٤] كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ: فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» ، فَقَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عُمَرَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: ١] إلَى قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨٧] فَهُمْ قَوْمٌ كَفَرُوا بِلَا شَكٍّ بَعْدَ إيمَانِهِمْ ارْتَدُّوا بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، إلَّا أَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ بِيَقِينٍ مَذْكُورَةٌ فِي الْآيَةِ، وَفِيمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ.
أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} [المنافقون: ٥] .
وَأَمَّا مَنْعُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ، لَا فِي مُرَاجَعَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ، فَإِنَّ هَذَا مَقْبُولٌ مِنْهُمْ بِلَا شَكٍّ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا سَلَفَ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَدَّمْنَا قَبْلُ، وَأَيْضًا إطْلَاقُهُمْ فِيهِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦] وَهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّاتِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute