وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَصَابَ الضَّعِيفُ مِنْهُمْ الْحَدَّ أَقَامُوهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَصَابَهُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ» .
ثُمَّ يَفْعَلُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ، وَيُعَطِّلُ إقَامَةَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ عَلَى كَافِرٍ يَدْرِي أَنَّهُ ارْتَدَّ الْآنَ، ثُمَّ لَا يَقْنَعُ بِهَذَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ كَافِرٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ.
وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنْ دَانَ بِهَذَا وَاعْتَقَدَهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، مُشْرِكٌ، مُرْتَدٌّ، حَلَالُ الدَّمِ وَالْمَالِ - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَمِنْ وِلَايَتِهِ - مَنْ يَظُنُّ بِهِ النِّفَاقَ بِلَا خِلَافٍ، فَالْأَمْرُ فِيمَنْ دُونَهُ بِلَا شَكٍّ أَخْفَى - فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ أَنْ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَالْإِسْلَامَ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ؟ أَمْ عَلَى مَا أَظْهَرُوا مِنْ التَّوْبَةِ؟ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِذَلِكَ، وَهُوَ بِلَا شَكٍّ الْمُجَازِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَفَرَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجَاهِدُهُ بِعَيْنِهِ بِلِسَانِهِ، وَالْإِغْلَاظُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتُوبَ - وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ جَاهَدَهُ جُمْلَةً بِالصِّفَةِ، وَذَمِّ النِّفَاقِ، وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْبَةِ.
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا بِعَيْنِهِ مُنَافِقٌ مُتَّصِلُ النِّفَاقِ ثُمَّ لَا يُجَاهِدُهُ، فَيَعْصِي رَبَّهُ تَعَالَى، وَيُخَالِفُ أَمْرَهُ - وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِأَنَّهُ نَسَبَ الِاسْتِهَانَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبَقِيَتْ آثَارٌ نَذْكُرُهَا الْآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute