لَهُ أَعْرَابِيٌّ: إنَّكُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَنَا بِمَا لَا نَدْرِي، فَمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُرُونَ بُيُوتَنَا، وَيَسْرِقُونَ أَعْلَافَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا أَرْبَعَةٌ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ وَجَدَ لَهُ بَرْدًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلًا.
أَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ فَصَحِيحٌ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِأَنَّ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا وَهَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُهِينَا عَنْ قِتَالِ الْمُصَلُّونً» .
وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ «لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدًا» فَإِنَّ هَذَا عُمُومًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى أَحَدٍ - وَإِذْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِذَا عَرَفْنَا الْمُنَافِقَ وَنُهِينَا أَنْ نُسَمِّيَهُ " سَيِّدًا " فَلَيْسَ مُنَافِقًا بَلْ مُجَاهِرًا، وَإِذَا عَرَفْنَا مَنْ الْمُنَافِقُ؟ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْغَيْبَ؟ وَلَا مَا فِي ضَمِيرِهِ فَهُوَ مُعْلِنٌ لَا مُسِرٌّ.
وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ - وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ خِصَالًا مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ.
وَلَيْسَ هَذَا نِفَاقُ الْكُفْرِ، لَكِنَّهُ مُنَافِقٌ لِإِظْهَارِهِ خِلَافَ مَا يُضْمِرُهُ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَذِبِهِ، وَغَدْرِهِ، وَفُجُورِهِ، وَإِخْلَافِهِ، وَخِيَانَتِهِ - وَمَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سَيِّدًا، وَمَنْ سَمَّاهُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ تَعَالَى بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - فَإِنَّ الْقَائِلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْدِلْ، وَلَا أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا عَمِلَ فَهُوَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ بِلَا شَكٍّ.
وَكَذَلِكَ الْقَائِلُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إذْ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ إذْ قَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute