وَكَذَلِكَ أَيْضًا اسْتِئْذَانُ عُمَرَ فِي قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا بِإِظْهَارِهِمْ الْإِسْلَامَ بَعْدَ أَنْ قَالُوا مَا قَالُوا: حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ وَصَارُوا بِذَلِكَ جُمْلَةَ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ بِلَا شَكٍّ، وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قَتَلَ أَصْحَابَهُ الْفُضَلَاءَ، كَمَاعِزٍ، وَالْغَامِدِيَّةِ، وَالْجُهَيْنِيَّةِ، إذْ وَجَبَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ لَمَا ضَيَّعَ ذَلِكَ أَصْلًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَمِّيَ كَافِرًا مُعْلِنًا بِأَنَّهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِهِ.
فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ، فَحُرِّمَتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَبَاطِنُهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَهُمْ أَصْحَابُهُ حَقًّا عِنْدَ النَّاسِ ظَاهِرُهُمْ، وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَاطِنُهُمْ وَظَاهِرُهُمْ، فَهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُنَا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ نُصَيْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ، فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمُونَ، وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفَّارٌ.
وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ إذْ اسْتَأْذَنَهُ خَالِدٌ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ: لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِخَالِدٍ عَنْ قَتْلِهِ، وَلَوْ حَلَّ قَتْلُهُ لَمَا نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّبَبِ الْمَانِعِ مِنْ قَتْلِهِ - وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ يُصَلِّي - فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: رُبَّ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، فَأَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ لِيَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الظَّاهِرُ - وَأَخْبَرَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّ ظَاهِرَهُمْ مَانِعٌ مِنْ قَتْلِهِمْ أَصْلًا.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، بِقَتْلِهِ، فَوَجَدَهُ يَرْكَعُ، وَوَجَدَهُ الْآخَرُ يَسْجُدُ فَتَرَكَاهُ، وَأَمَرَ عَلِيًّا بِقَتْلِهِ فَمَضَى فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute