كَمَا نا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الإدفوي الْمُقْرِي نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحْوِيُّ نا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ نا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} [النساء: ١٥] . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا زَنَتْ تُحْبَسُ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] وَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا، فَهَذَا السَّبِيلُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لَهُمَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦] فَكَانَ الرَّجُلُ إذَا زَنَى أُوذِيَ بِالتَّعْيِيرِ وَضَرْبِ النِّعَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ رُجِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نا أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الْأُدْفُوِيُّ نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا سَلَمَةُ - هُوَ ابْنُ شَيْبٍ - نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] قَالَ: نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ - وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦] نَسَخَتْهَا الْحُدُودُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] إلَى قَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ النِّسَاءِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهَا حُكْمُ الرِّجَالِ أَصْلًا.
ثُمَّ عَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا مُتَّصِلًا بِهَا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦] فَكَانَ هَذَا حُكْمًا زَائِدًا لِلرِّجَالِ مُضَافًا إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ حُكْمِ النِّسَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِكَذَا، وَلَا أَنَّهُ نَاسِخٌ لِكَذَا إلَّا بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْلَمَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَّا، إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهَا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute