أَوْ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ مِنْ جَمِيعِ الصُّحْبَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوهُ عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ ذَلِكَ، أَوْ بِضَرُورَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَتَيَقَّنَ تَأْخِيرَ أَحَدِ النَّصَّيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُمَا جَمِيعًا: فَنَدْرِي حِينَئِذٍ بِيَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حُكْمَ الْأَوَّلِ بِالنَّصِّ الْآخَرِ - وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ.
فَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَّا بِشَيْءٍ مِنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ: أَخْبَرَ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ.
فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ الزَّوَانِي كَانَ الْحَبْسَ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَمُتْنَ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا بِحُكْمٍ آخَرَ وَأَنَّ حُكْمَ الرِّجَالِ الزُّنَاةِ كَانَ الْأَذَى، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ بِالْحُدُودِ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ مَعَنَا يَقِينٌ بِأَنَّ حَبْسَ الزَّوَانِي مِنْ النِّسَاءِ نُسِخَ بِالْأَذَى، ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُنَّ الْأَذَى بِالْحَدِّ، هَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا أَوْجَبَتْهُ ضَرُورَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا صَحَّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْحَبْسَ وَالْأَذَى مَنْسُوخَانِ عَنْ الزَّوَانِي وَالزُّنَاةِ بِالْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ بِالْحُدُودِ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي النَّاسِخِ مَا هُوَ؟ فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُرَّ الزَّانِيَ، وَالْحُرَّةَ الزَّانِيَةَ - إذَا كَانَا غَيْرُ مُحْصَنَيْنِ - فَإِنَّ حَدَّهُمَا مِائَةُ جَلْدَةٍ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَمَعَ الْمِائَةِ جَلْدَةٍ نَفْيُ سَنَةٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا عَلَى الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا نَفْيَ عَلَيْهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا نَفْيَ فِي ذَلِكَ، لَا عَلَى رَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ، حَاشَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: إنَّ عَلَى الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ - إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ - الرَّجْمَ حَتَّى يَمُوتَا - ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِمَا مَعَ الرَّجْمِ الْمَذْكُورِ جَلْدُ مِائَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِمَا إلَّا الرَّجْمُ، وَلَا جَلْدَ عَلَيْهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute