للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] الْآيَةَ، فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ " الْمُحْصَنَاتِ الْمَذْكُورَاتِ: هُنَّ النِّسَاءُ " لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ جَاءَ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ الْقِيَاسِ هَاهُنَا وَقَالُوا لَنَا: إنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِجَلْدِ الْحَدِّ مِنْ قَذْفِ امْرَأَةٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا مَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَى؟ وَمَا هَذَا إلَّا قِيَاسٌ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ الْقِيَاسَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَأَجَابَهُمْ أَصْحَابُنَا هَاهُنَا بِأَجْوِبَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُقْنِعٌ كَافٍ، مُبْطِلٌ لِاعْتِرَاضِهِمْ هَذَا الْفَاسِدِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَأَحَدُ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ: أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: جَاءَ النَّصُّ بِالْحَدِّ عَلَى قَذْفِ النِّسَاءِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِحَدِّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَالْإِجْمَاعُ حَقٌّ وَأَصْلٌ مِنْ أُصُولِنَا الَّتِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهَا وَقَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا اتِّبَاعَ الْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بَلْ نَصُّ الْآيَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ الْمُحْصَنَاتِ قَالُوا: وَبُرْهَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَدَلِيلُ صِحَّتِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَكَان آخَرَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] قَالُوا: فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَةُ " الْمُحْصَنَاتُ " لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى النِّسَاءِ لَمَا كَانَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى " مِنْ النِّسَاءِ " مَعْنًى وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا فَصَحَّ أَنَّ الْمُحْصَنَاتِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مُرَادَهُ هُنَالِكَ بِأَنْ قَالَ " مِنْ النِّسَاءِ " وَأَجْمَلَ الْأَمْرَ فِي آيَةِ الْقَذْفِ إجْمَالًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>