قَالُوا: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: ١٤] كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: ٢٧] وَ {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: ١٩٦] ؟ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَكْرَارٍ لَا فَائِدَةَ أُخْرَى فِيهِ إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَيْسَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي دَعَوَاكُمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: ١٤] تَكْرَارٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِ الرَّجُلِ لَمَا كَانَ فِي الْآيَةِ احْتِجَاجٌ وَإِيجَابُنَا الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَقَاذِفِ الْكَافِرَةِ، لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ؟
وَأَمَّا جَوَابُنَا الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَنَقْطَعُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ٤] الْفُرُوجَ الْمُحْصَنَاتِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الشُّهُودِ الْمَذْكُورِينَ لَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ شَهَادَتَهُمْ الَّتِي يُكَلَّفُونَهَا هِيَ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ رَأَوْا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَالِجًا خَارِجًا - وَالْإِجْمَاعُ قَدْ صَحَّ بِأَنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِزِنًى وَلَا يَبْرَأُ بِهَا الْقَاذِفُ مِنْ الْحَدِّ.
فَصَحَّ أَنَّ الرَّمْيَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ الْفُرُوجُ فَقَطْ.
وَأَيْضًا، بُرْهَانٌ آخَرُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute