قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذِهِ سُؤَالَاتٌ لَا يَسْأَلُهَا إلَّا كَافِرٌ أَوْ إنْسَانٌ جَاهِلٌ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ الْمَخْرَجِ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمَذْكُورَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْوَجْهُ فِي هَذِهِ السُّؤَالَاتِ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ أَحَدٍ بِظَنٍّ بِغَيْرِ إقْرَارٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ عِلْمٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ، أَوْ وَحْيٍ، أَوْ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِهِ دُونَهَا، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ بَرِيءٌ، وَأَنَّ الْقَوْلَ كَذِبٌ فَأَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُوقَفَ عَلَى ذَلِكَ مُشَاهَدَةً فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ، فَكَانَ هَذَا حُكْمًا صَحِيحًا فِيمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ عَلِمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ لِمَا يُظْهِرُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَرَاءَتِهِ، وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْيَمَانِ - هُوَ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ - نا شُعَيْبٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ - نا أَبُو الزِّنَادِ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ - فَذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: وَكَانَتْ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا، إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: إنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَا إلَى دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاَللَّهِ إنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إلَّا يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلَّا الْمُدْيَةَ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ قَطُّ شَقَّ الصَّبِيِّ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ امْتِحَانَهُمَا بِذَلِكَ، وَبِالْوَحْيِ - فَعَلَ هَذَا بِلَا شَكٍّ - وَكَانَ حُكْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْكُبْرَى عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهَا، وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَادَ قَطُّ إنْفَاذَ قَتْلِ ذَلِكَ " الْمَجْبُوبِ " لَكِنْ أَرَادَ امْتِحَانَ عَلِيٍّ فِي إنْفَاذِ أَمْرِهِ، وَأَرَادَ إظْهَارَ بَرَاءَةِ الْمُتَّهَمِ، وَكَذِبِ التُّهْمَةِ عِيَانًا - وَهَكَذَا لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعَالَى إنْفَاذَ ذَبْحِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرَ أَبَاهُ بِذَبْحِهِ، لَكِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى إظْهَارَ تَنْفِيذِهِ لِأَمْرِهِ - فَهَذَا وَجْهُ الْأَخْبَارِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُقْتَلُ، وَلَا بُدَّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute