يُصَلِّهِمَا إلَّا خَلْفَ النَّاسِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، كَمَا يَأْمُرُونَ مَنْ قَلَّدَهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ فَكَيْفَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا لَكَانَ مِمَّا يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْقَائِلِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْت؟ أَبِصَلَاتِك وَحْدَك أَمْ بِصَلَاتِك مَعَنَا؟» وَ «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟» لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَقُولَ [لَهُ] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلَّا صَلَاتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ مُخْتَلِطًا بِالنَّاسِ [وَمُتَّصِلًا بِهِمْ] فَيَسْكُتُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَمَّا أَنْكَرَ مِنْ الْمُنْكَرِ وَيَهْتِفُ بِمَا لَمْ يَذْكَرْ مِنْ لَفْظِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنْ هَذَا التَّخْلِيطِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِذِي مَسْكَةٍ إلَّا بِمِثْلِ مَنْ أَطْلَقَ هَذَا؟ .
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ ظَنٌّ مَكْذُوبٌ مُجَرَّدٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ ثَوْبَ حَرِيرٍ؟ وَمِثْلُ هَذِهِ الظُّنُونِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ فِي الدِّينِ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ قِيلَ: وَلَا ذَكَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتِلَاطَهُ بِالنَّاسِ وَلَا اتِّصَالَهُ بِهِمْ، وَإِنَّمَا نَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى إنْكَارِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُصَلِّي الصُّبْحَ فَقَطْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ فَعَلَ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: ٦١] وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ الْفَرِيضَةَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، وَهُمْ يَأْمُرُونَهُ بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ النَّافِلَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى بِبَعْضِ الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ النَّافِلَةِ، مَعَ مَعْصِيَتِهِمْ السُّنَنَ الَّتِي أَوْرَدْنَا وَبِمَا قُلْنَاهُ يَقُولُ جُمْهُورٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute