الْأَذَانُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ؛ فَيَبْطُلُ بِهَذَا بِيَقِينِ الْبُطْلَانِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ لِاخْتِيَارِهِمْ فِي الْأَذَانِ بِأَنَّهُ نَقْلُ الْكَافَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لِأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ مَا لِأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً - وَأَنَّ لِأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لِأَذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا فَرْقَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَكِنْ غُيِّرَ بَعْدَهُمْ؟ قُلْنَا: إنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ عَلَى التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَجْوَزُ؛ فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ؛ وَالرُّحَيْلِ وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَفْتَى فِي حَيَاةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَمَا يَرْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَبْدِيلُ عَمُودِ الدَّيْنِ؟ فَإِنْ هَبَطُوا إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ؛ فَمَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلَّا جَازَ مِثْلُهُ عَلَى مَالِكٍ؛ فَمَا لَهُ عَلَى هَذَيْنِ فَضْلٌ، لَا فِي عِلْمٍ وَلَا فِي وَرَعٍ؛ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْوُلَاةِ؛ فَإِنَّ الْوُلَاةَ عَلَى مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ: إنَّمَا كَانُوا يَنْفُذُونَ مِنْ الشَّامِ مِنْ عَهْدِ مُعَاوِيَةَ إلَى صَدْرِ زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ؛ ثُمَّ مِنْ الْأَنْبَارِ وَبَغْدَادَ فِي بَاقِي أَيَّامِ هَؤُلَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَالِي مَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، إلَّا جَازَ مِثْلُهُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ؛ وَكُلُّهَا قَدْ وَلِيَهَا الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، كَالْحَجَّاجِ، وَحُبَيْشِ بْنِ دُلْجَةَ، وَطَارِقٍ، وَخَالِدٍ الْقَسْرِيِّ وَمَا هُنَالِكَ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا خَيْرَ؛ فَمَا جَازَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً؟ بَلْ الْأَمْرُ أَقْرَبُ إلَى الِامْتِنَاعِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ وُفُودَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَرِدُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ؛ فَمَا كَانَ لِيَخْفَى ذَلِكَ أَصْلًا عَلَى النَّاسِ؛ وَمَا قَالَ هَذَا أَحَدٌ قَطُّ -، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute