فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الرِّوَايَاتِ؛ فَالرِّوَايَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا مُتَقَارِبَةٌ إلَّا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورَ فِي الْإِقَامَةِ؛ فَمَا جَاءَتْ بِهِ قَطُّ رِوَايَةٌ؟ .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُدِّ، وَالصَّاعِ، وَالْوَسْقِ، فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ، أَوْ قَفِيزٍ أُحْدِثَ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْكُوفَةِ فَقَدْ عُرِفَ؛ كَمَا عُرِفَ بِالْمَدِينَةِ مُدُّ هِشَامٍ الَّذِي أَحْدَثَ؛ وَالْمُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: أَنَّ الصَّاعَ هُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِالْمُدِّ الْآخَرِ، وَكَمُدِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْحَجَّاجِي، وَكَصَاعِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَا حَرَجَ فِي إحْدَاثِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مُدًّا أَوْ صَاعًا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ؟ وَبَقِيَ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاعُهُ وَوَسْقُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ نَقْلَ الْكَافَّةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا رَأَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ خَاصَّةً بِمُدِّ هِشَامٍ الْمُحْدَثِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِهِ فِيهِ؛ فَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: وَهُوَ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: هُوَ مُدَّانِ غَيْرُ ثُلُثٍ - وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ: هُوَ مُدَّانِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ مُتَأَخِّرٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ مُوَافِقٌ لِاخْتِيَارِنَا -، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ تَثْنِيَتَهَا كَانَ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ؛ وَإِفْرَادُهَا كَانَ الْأَمْرَ الْآخَرَ بِلَا شَكٍّ.
لِمَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ؟ قَالَ: عَلِّمْهُ بِلَالًا؛ فَقَامَ بِلَالٌ فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى» .
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ إسْنَادِ الْكُوفِيِّينَ؟ فَصَحَّ أَنَّ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ قَدْ نُسِخَتْ؛ وَأَنَّهُ هُوَ كَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَخَذَ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَأَدْرَكَ بِلَالًا وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ فَلَاحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute