وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ؛ وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ وَقْتَ الْعَتَمَةِ بِأَنَّ: أَوَّلَهُ إذَا غَابَ الشَّفَقُ، وَآخِرَهُ: ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَرُوِيَ أَيْضًا: نِصْفُ اللَّيْلِ.
وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْمَطَالِعِ، وَالْمَغَارِبِ، وَدَوَرَانِ الشَّمْسِ: أَنَّ الْبَيَاضَ لَا يَغِيبُ إلَّا عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ الَّذِي حَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُرُوجَ أَكْثَرِ الْوَقْتِ فِيهِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ وَقْتَهَا دَاخِلٌ قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ، فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ دَاخِلٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، الَّذِي هُوَ الْبَيَاضُ بِلَا شَكٍّ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْلَ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ: الْحُمْرَةُ بِيَقِينٍ؛ إذْ قَدْ بَطَلَ كَوْنُهُ: الْبَيَاضَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: إذَا صَلَّيْنَا عِنْدَ غُرُوبِ الْبَيَاضِ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ - بِإِجْمَاعٍ - أَنَّنَا قَدْ صَلَّيْنَا عِنْدَ الْوَقْتِ، وَإِنْ صَلَّيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ نُصَلِّ بِيَقِينِ إجْمَاعٍ فِي الْوَقْتِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَيْسَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمُوهُ؟ أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ جُمْهُورَ مَذْهَبِهِمْ فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَالِاسْتِنْثَارِ، وَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَكُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ، وَمِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُؤَدُّوا عَمَلًا مِنْ الشَّرِيعَةِ إلَّا حَتَّى لَا يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي أَنَّهُمْ قَدْ أَدُّوهُ كَمَا أُمِرُوا.
وَمَعَ هَذَا لَا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ مَذْهَبِهِمْ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ بِلَا شَكٍّ وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ ثَالِثَةٍ» .
وَلَوْ كَانَ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً لَنَا؛ لِأَنَّ الشَّفَقَ الْأَبْيَضَ يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلَا خِلَافٍ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ إذَا اسْوَدَّ اللَّيْلُ» وَبَقَاءُ الْبَيَاضِ يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الْأُفُقِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ مَعَ بَيَاضِ الْقَمَرِ، وَهُوَ أَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute