الْأُفُقِ عَلَى أُصُولِهِمْ: مِنْ الْبَيَاضِ الْبَاقِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ، الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْ سَوَادِ الْأُفُقِ؛ لِقِلَّتِهِ وَدِقَّتِهِ؟ .
وَذَكَرُوا حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الْعَتَمَةَ لِسُقُوطِ لَيْلَةِ ثَالِثَةٍ» ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا لَا نَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ وَقْتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَذَكَرُوا حَدِيثًا سَاقِطًا مَوْضُوعًا، فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الْعَتَمَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ» .
وَهَذَا لَوْ صَحَّ - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا جَوَازُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِمْ وَقَوْلِنَا وَذَكَرُوا عَنْ ثَعْلَبٍ: أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ قَالَ عَلِيٌّ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَنَّ الشَّفَقَ: الْبَيَاضُ، وَالشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ؛ وَلَيْسَ ثَعْلَبٌ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا فِي نَقْلِهِ؛ فَهُوَ ثِقَةٌ، وَأَمَّا فِي رَأْيِهِ فَلَا؟ وَأَظْرَفُ ذَلِكَ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ: بِأَنَّ الشَّفَقَ: مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّفَقَةِ، وَهِيَ الرِّقَّةُ؛ وَيُقَالُ: ثَوْبٌ شَفِيقٌ إذَا كَانَ رَقِيقًا.
قَالُوا: وَالْبَيَاضُ أَحَقُّ بِهَذَا؛ لِأَنَّهَا أَجْزَاءٌ رَقِيقَةٌ تَبْقَى بَعْدَ الْحُمْرَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا هَوَسٌ نَاهِيك بِهِ فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْحُمْرَةُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّدُ عَنْ الْإِشْفَاقِ وَالْحَيَاءِ، وَكُلُّ هَذَا تَخْلِيطٌ هُوَ فِي الْهَزْلِ أَدْخَلُ مِنْهُ فِي الْجَدِّ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ الثَّانِي: وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ بِالشَّفَقِ الثَّانِي؟ فَعُورِضُوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَجْرُ فَجْرَيْنِ، وَكَانَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَدْخُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute