للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا؛ فَخَلَعَهُمَا وَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ جَائِزًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي آخِرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إذْ سَلِمَ كَلَامًا مَعْنَاهُ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ - أَوْ قَالَ خُفَّيْهِ - فَإِنْ رَأَى فِيهَا شَيْئًا فَلْيَحُكَّهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» وَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ وَارِدًا بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ. فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَأَمَّلْ نَعْلَيْهِ، أَوْ خُفَّيْهِ، وَكَانَ فِيهِمَا أَذًى فَقَدْ صَلَّى بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْعَوْرَةُ تَخْتَلِفُ؛ فَهِيَ مِنْ الرِّجَالِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ عَوْرَةٌ. وَهِيَ مِنْ الْحُرَّةِ: جَمِيعُ جَسَدِهَا، حَاشَا الْوَجْهَ، وَالْكَفَّيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ. وَهِيَ مِنْ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً؛ فَتُصَلِّي الْأَمَةُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرَةُ: عِنْدَهُمْ عُرْيَانَةَ الرَّأْسِ، وَالْجَسَدِ كُلِّهِ، حَاشَا مِئْزَرًا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا فَقَطْ، لَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَأَحْكَامُ الْعَوْرَاتِ تَخْتَلِفُ؛ فَإِذَا انْكَشَفَ مِنْ الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ؛ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الِافْتِتَاحَ لِلصَّلَاةِ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الرُّكُوعَ؛ أَوْ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِهِمَا الْقِيَامَ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا، فَإِنْ انْكَشَفَ هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي حَالِ الْقِيَامِ، أَوْ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ، فَسَتَرَا ذَلِكَ حِينَ انْكِشَافِهِ -: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلَاتَهُمَا شَيْئًا. فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ مِنْ فَرْجِهَا، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ: لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ صَلَاتَهُمَا شَيْئًا. طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>