وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ حَدِيثَ عُبَادَةَ قَدْ أَخَذَ بِالْآيَةِ وَبِالْأَخْبَارِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَكَأَنَّ مَنْ غَلَّبَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» قَدْ خَالَفَ حَدِيثَ عُبَادَةَ؛ وَأَجَازَ صَلَاةً أَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يَجُوزُ، لَا سِيَّمَا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ إجَازَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَمَنْعِهِ مِمَّا دُونِهَا. فَهَذَا قَوْلٌ مَا حُفِظَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَا عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلٌ؛ وَهُوَ خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ، وَلِجَمِيعِ الْآثَارِ - وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ مَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى: أَنْ لَا يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ الْجَاهِرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] . قَالَ عَلِيٌّ: وَتَمَامُ الْآيَةِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: ٢٠٥] قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ الْآيَةِ فِي الصَّلَاةِ فَآخِرُهَا فِي الصَّلَاةِ؛ وَإِنْ كَانَ آخِرُهَا لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَأَوَّلُهَا لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ سِرًّا وَتَرْكُ الْجَهْرِ فَقَطْ؛ وَهَكَذَا نَقُولُ وَذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ أُكَيْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» - وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَهَذَا حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ أُكَيْمَةَ وَقَالُوا: هُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ وَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَحَرَامٌ أَنْ يُضْرَبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ كَلَامُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كُلُّهُ بِظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ، كَمَا قَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لَا يُزَادُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا يُنَازِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute