وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْتُولَ يَوْمَ بَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرٍو وَنَسَبُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَالْمُكَلِّمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ وَنَسَبُهُ سُلَمِيٌّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ صَلَاتِهِ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَهُمْ -: فَبَاطِلٌ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا السَّهْوَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَمْدِ قِيلَ لَهُمْ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ، لَا عَلَى ضِدِّهِ، وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الْعَمْدِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: فَهَلَّا قِسْتُمْ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا عَلَى السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا، فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا كَلَامٌ فَأَيُّ شَيْءٍ قَصَدُوا بِهِ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَهْوِ الْكَلَامِ وَعَمْدِهِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بِهَذَا الْخَبَرِ كَلَامَ النَّاسِ مَعَ الْإِمَامِ فِي إصْلَاحِ الصَّلَاةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَتَعَمُّدُ الْكَلَامِ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَضُرُّ الصَّلَاةَ شَيْئًا، وَكَلَّمَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ، وَأَنَّ الْكَلَامَ لَهُ مُبَاحٌ؛ وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّلَاةَ قَصُرَتْ وَتَمَّتْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ «أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَرَآنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي قُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute