ومنها: مجانبة الرّيب والتنزه عنها، والطهارة منها. فانها تسخط الله تعالى، وتذهب بمهابة المرء، وتسقطه من العيون والقلوب. وأحقّ من راعى ذلك من نفسه من بين أتباع السلطان أهل هذه الصناعة لاختصاصهم به، ولطف منزلتهم عنده. إذ المشهور عند نقلة الآثار أن الذين تقدّموا من صدورها ومشايخها كانوا من جلّة العلماء، وسادة الفقهاء، وأفاضل أهل الورع، المبرئين من الدّنس والطمع، المميزين على القضاة والحكّام، في الاستقلال بعلوم الإسلام، المتميزين عنهم بفضل الآداب، ورواية الأشعار، والعلم بالأيام والسير، والارتياض «١» بآداب الملوك وعشرتهم ورسوم صحبتهم، وغير ذلك مما ينتظم في صناعتهم. فقد ساووهم في علم الدّين، وفاقوهم فيما تقدّم ذكره مما لا يشاركونهم فيه. والسلطان والدّين قرينان لا يفترقان، وعونان على صلاح البلاد والعباد، فلا يحتمل السلطان ما ينكره الدّين لأنه تابعه ورديفه.
ومنها: لزوم العفاف والصّيانة فيما يتولاه للسلطان من أعماله، ويتصرف فيه من أشغاله، والتعفف عن المطامع الذميمة، والمطاعم «٢» الوخيمة، والترفّع عن المكاسب اللئيمة؛ فإن ذلك يجمع القربة إلى الله تعالى والحظوة عند السلطان، وجميل السيرة عند الرعية- حتى إن هذه الطريقة قد تقدّم بها عند السلطان المتخلفون في الفهم والمعرفة، وسادوا على من لا يقاربونه في غناء ولا كفاية، وحصلوا على الأحوال السنية، والمنازل العلية؛ وقرب بها من كان بعيدا على من كان قريبا، ومن لا مكانة له ولا حرمة على من له مكانة وحرمة، واستبدني لأجلها من لا يترشح لخدمة السلطان. ثم الذي يلزمه أن يعتمد التمسك بالصيانة والعفاف الذي عليه نظام معيشته، والارتفاق فيما يحل