لأن الضمائر المذوقة «١» والنيات السقيمة لا بد أن يصرّح بما فيها ويظهر ما في دخيلتها؛ وإذا اتضح ذلك للسلطان لم يقنع إلا بإتلاف نفسه، وإذهاب مهجته.
ومنها النصيحة، وهي ترب الإخلاص. والطريق الموصل إلى التوفية بها أن يطالع السلطان بكل ما يفتقر إلى العلم به من خاصّ أموره وعامّها؛ وعلى من استخلصه السلطان لنفسه، وائتمنه على رعيته، وأنطقه بلسانه، وأخذ وأعطى بيده، وأورد وأصدر برأيه، وتخيّره لهذه المنزلة من بين رؤساء دولته وأعيان مملكته، أن لا يستر عنه دقيقا ولا جليلا من أحوال ما فوّضه إليه، ولا يقف عن إنهاء تفاصيله وجمله توقّيا من لوم لائم، ولا يحمله فرط النصح له على الإضرار برعيته، ولا الرغبة في إثبات حقه على تضييع حقوقها، ولا القيام بما يجب له دون ما يجب لها- فإنها به وهو بها.
ومنها الاجتهاد فيما يباشره من أحوال سلطانه بما يعود عليه نفعه بحيث لا يبقي في ذلك ممكنا، ولا يدع فيه شأوا للاحق.
ومنها كتمان السر. وهو من أفضل الآداب في صحبة السلطان وغيره، وأعودها بالفلاح على صاحبها لأن كثرة الانتشار الداخل على الدول إنما توجّه بتفريط بطائنها وصاحبها في أسرارها، وإظهارهم بما تقرّر في أذهان الملوك وعزائمهم قبل أن يظهروه؛ فيجد العدوّ بذلك الطريق إلى معالجة آرائهم بما ينقضها، ومقابلتها بما يفسدها. على أن إفشاء السر من الأخلاق التي طبع أكثر الناس عليها، وحيل بينهم وبين الإقلاع عنها؛ فمن علم من نفسه ذلك فليحذر معاملة السلطان في أسراره وبواطن أموره، ولا سيما ما وجد