للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها في باب حروبه ومكايده، فإنه إن ظهر منه على خيانة في السر، عرّض نفسه للهلكة.

ومنها الشّكر فإنه وإن كان واجبا على الإنسان مع أكفائه ونظرائه فإنه مع السلطان الذي يستظلّ بظله، ويستدرّ أخلاف فضله أوجب. إذ المرء قد يقدر على مكافأة عارفة «١» صديقه بما يضاهيها ويزيد عليها، ولا يقدر على مكافأة سلطانه إلا بشكر نعمته، والمحافظة على حقوق خدمته. ثم الشكر بالقول يرتفع بين الرئيس والمرؤوس، والخادم والمخدوم، إلا اليسير الذي يقضي به حقّ الخدمة: لأن الإكثار منه داخل في حكم الملق والتثقيل؛ وإنما يظهر شكر الخادم من أفعاله.

ومنها الوفاء، وهو من أهمّ الخصال اللازمة وآكدها؛ إذ هو الطريق إلى صلاح العباد وعمارة البلاد؛ بل هو رأس مال الكاتب وربحه ودوام عمله، والسبب الذي لأجله ترغب السّلاطين في صحبته: لأنهم ما برحوا يقرّبون صاحب هذه الخصلة ويرونه أهلا للاختصاص، موضعا للثّقة؛ ولا أسوأ حالا ممن نزل هذه المنزلة وهو بخلافها.

ثم الوفاء يكون بإظهار النصيحة، وبذل الاجتهاد، وقصد المخالصة، ومقابلة كل نعمة تفاض عليه بالنهضة فيما استند «٢» إليه: ليدعو ذلك سلطانه إلى ربّ «٣» النعمة لديه، وإقرار ما عليه.

ومن شروط الوفاء أن يلتزمه صاحبه لسلطانه، في حال سعادته، وإقبال دولته، وفي حال تولّيها عنه وعطلته. أما في حال إقبال الدولة عليه فأن يصحبه بقلبه دون بدنه ولا يتطلب صاحبا غيره ينتقل إلى صحبته، ويستبدل بخدمته

<<  <  ج: ص:  >  >>