فاستشعروا ذلكم وفقكم الله من أنفسكم في حالة الرخاء، والشدّة، والحرمان، والمواساة، والإحسان، والسراء، والضراء، فنعمت الشيمة هذه لمن وسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة! فإذا ولّي الرجل منكم أو صيّر إليه من أمر خلق الله وعياله أمر، فليراقب الله عز وجل، وليؤثر طاعته، وليكن على الضعيف رفيقا، وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أرفقهم بعياله. ثم ليكن بالعدل حاكما، وللأشراف مكرما، وللفيء موفّرا، وللبلاد عامرا، وللرعية متألّفا، وعن إيذائهم متخلّفا؛ وليكن في مجلسه متواضعا حليما، وفي سجلّات خراجه، واستقضاء حقوقه رفيقا، وإذا صحب أحدكم رجلا فليختبر خلائقه، فإذا عرف حسنها وقبيحها أعانه على ما يوافقه من الحسن واحتال لصرفه عما يهواه من القبيح ألطف حيلة، وأجمل وسيلة.
وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرا بسياستها التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحا «١» لم يهجها إذا ركبها، وإن كانت شبوبا «٢» اتّقاها من قبل يديها، وإن خاف منها شرودا توقّاها من ناحية رأسها، وإن كانت حرونا قمع برفق هواها في طريقها، فإن استمرت عطفها يسيرا فيسلس له قيادها. وفي هذا الوصف من السياسة دلائل لمن ساس الناس وعاملهم وخدمهم وداخلهم.
والكاتب بفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته، ومعاملته لمن يحاوره من الناس ويناظره، ويفهم عنه أو يخاف سطوته، أولى بالرفق بصاحبه ومداراته، وتقويم أوده من سائس البهيمة التي لا تحير جوابا، ولا تعرف صوابا، ولا تفهم خطابا، إلا بقدر ما يصيّرها إليه صاحبها الراكب عليها. ألا فأمعنوا رحمكم الله في النظر، وأعملوا فيه ما أمكنكم من الرويّة والفكر، تأمنوا بإذن الله ممن صحبتموه النّبوة والاستثقال والجفوة؛ ويصير «٣» منكم إلى