للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموافقة، وتصيروا منه إلى المؤاخاة والشفقة إن شاء الله تعالى.

ولا يجاوزنّ الرجل منكم في هيئة مجلسه وملبسه ومركبه ومطعمه ومشربه وبنائه وخدمه وغير ذلك من فنون أمره، قدر حقه، فإنكم مع ما فضّلكم الله به من شرف صنعتكم خدمة لا تحملون في خدمتكم على التقصير، وحفظة لا تحتمل منكم أفعال التضييع والتبذير. واستعينوا على عفافكم بالقصد في كل ما ذكرته لكم، وقصصته عليكم، واحذروا متالف السرف، وسوء عاقبة التّرف، فإنهما يعقبان الفقر ويذلّان الرّقاب، ويفضحان أهلهما ولا سيّما الكتّاب، وأرباب الآداب، وللأمور أشباه وبعضها دليل على بعض، فاستدلّوا على مؤتنف «١» أعمالكم بما سبقت إليه تجربتكم، ثم اسلكوا من مسالك التدبير أوضحها محجّة، وأصدقها حجّة، وأحمدها عاقبة.

واعلموا أنّ للتدبير آفة متلفة، وهي الوصف الشاغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورؤيته، فليقصد الرجل منكم في مجلسه قصد الكافي من منطقه، وليوجز في ابتدائه وجوابه، وليأخذ بمجامع حججه، فإن ذلك مصلحة لفعله، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره، وليضرع إلى الله في صلة توفيقه، وإمداده بتسديده، مخافة وقوعه في الغلط المضرّ ببدنه وعقله وأدبه، فإنه إن ظن منكم ظانّ، أو قال قائل، إن الذي برز من جميل صنعته وقوّة حركته، إنما هو بفضل حيلته، وحسن تدبيره، فقد تعرّض بظنه أو مقالته إلى أن يكله الله عز وجل إلى نفسه، فيصير منها إلى غير كاف. وذلك على من تأمله غير خاف.

ولا يقل أحد منكم إنه أبصر بالأمور وأحمل لعبء التدبير من مرافقه في صناعته، ومصاحبه في خدمته، فإن أعقل الرجلين عند ذوي الألباب من رمى بالعجب وراء ظهره، ورأى أن صاحبه أعقل منه وأحمد في طريقته، وعلى كل واحد من الفريقين أن يعرف فضل نعم الله جلّ ثناؤه من غير اغترار برأيه، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>