للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عين عليه وتكرر ذلك منه، صارت له الميزة والتّقدمة عند الملك، ووجّهه حينئذ في مهمّات أموره.

وكان أردشير بن بابك آخر ملوك الفرس يقول: «حقّ على الملك الحازم إذا وجّه رسولا إلى ملك أن يردفه بآخر، وإن وجّه برسولين وجّه بعدهما باثنين، وإن أمكنه أن لا يجمع بين رسله في طريق فعل» .

ومن الحزم أن الرسول إذا أتاه برسالة أو كتاب في خير أو شر أن لا يحدث في ذلك شيئا حتى يرسل مع رسول آخر يحكي له كتابه أو رسالته حرفا حرفا ومعنى معنى فإنّ الرسول ربما فاته بعض ما يؤمّله فافتعل الكتب، وغيّر ما شوفه به فأفسد ما بين المرسل والمرسل إليه: من ملك أو نائب ونحوهما، وربما أدّى ذلك إلى وقوع فتنة بين الملكين، أو خروج النائب عن الطاعة وتفاقم الأمر بسبب ذلك وسرى إلى ما لا يمكن تداركه.

وقد حكي أن الإسكندر وجه رسولا إلى بعض ملوك الشرق فجاء برسالة شكّ الإسكندر في حرف منها فقال له: «ويلك! إن الملوك لا تخلو من مقوّم ومسدّد إذا مالت وقد جئتنى برسالة صحيحة الألفاظ بينة المعاني، وقد وجدت فيها حرفا ينقضها؛ أفعلى يقين أنت من هذا الحرف أم شاكّ فيه؟ فقال بل على يقين منه أنه قاله. فأمر الإسكندر أن تكتب الألفاظ حرفا حرفا ويعاد إلى الذي جاء ذلك الرسول من عنده مع رسول آخر فيقرأ عليه ويترجم له.

فلما وصل الرسول الثاني إلى ذلك الملك وقرأ عليه ما كتب إليه به الإسكندر في أمر ذلك الرسول، أنكر ذلك الحرف الذي أنكره الإسكندر وقال للمترجم:

«ضع يدك على هذا الحرف» فوضعها فأمر أن يعلّم بعلامة وقال: «إني أجلّ ما وصل عن الملك أن أقطعه بالسّكّين، ولكن ليصنع هو فيه وفي قائله ما شاء» .

وكتب إلى الإسكندر: «إنّ من أسّ المملكة صحّة لهجة الرسول؛ إذا كان عن لسانه ينطق، وإلى أذنه يؤدّي» . فلما عاد الرسول إلى الإسكندر دعا برسوله الأوّل وقال: «ما حملك على كلمة قصدت بها أفساد ما بين ملكين؟»

<<  <  ج: ص:  >  >>