قلت: وقد بطل الآن ما كان من أمر الألواح وتركت، وصار كل بريديّ عنده شرّابة حرير صفراء يجعلها في عنقه من غير لوح. اللهم إلا أن يتوجه البريديّ إلى مملكة من الممالك النائية، فيحتاج إلى اللوح لتعارف أمر المملكة القديمة. وكذلك الحكم فيمن يتوجه إلى الأبواب السلطانية من نيابة من نيابات المملكة في ورقة الطريق وخيل البريد. ولصاحب ديوان الإنشاء التنبّه على مصالح مراكز خيل البريد في الديار المصرية وغيرها.
وسيأتي الكلام على مراكز البريد بمصر والشام، مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى.
وأعلم أنه يجب على الناظر في أمر البريد: من الملك فمن دونه أن يحتاط فيمن يرسله في الأمور السلطانية، فيوجه في كل قضية من يقوم بكفايتها وينهض بأعبائها، ويختصّ الملوك وأكابر النّوّاب بأكابر البريدية وعقلائهم وأصحاب التّجارب منهم، خصوصا في المهمات العظيمة التي يحتاج الرسول فيها إلى تنميق الكلام، وتحسين العبارة، وسماع شبهة المرسل إليه، وردّ «١» جوابه وإقامة الحجة عليه، فإنه يقال: يستدلّ على عقل الرجل بكتابه وبرسوله. وقد قيل: من الحق على رسول الملك أن يكون صحيح الفكرة والمزاج، ذا بيان وعارضة ولين واستحكام منعة؛ وأن يكون بصيرا بمخارج الكلام وأجوبته، ومؤدّيا للألفاظ عن الملك بمعانيها، صدوقا بريئا من الطمع.
وعلى مرسله امتحانه قبل توجيهه في مقاصده؛ ولا يرسل إلى الملوك الأجانب، إلا من اختبره بتكرير الرسائل إلى نوّابه وأهل مملكته. فقد كان الملوك فيما سلف من الزمن إذا آثروا إرسال شخص لمهمّ، قدّموا امتحانه بإرساله إلى بعض خواص الملك ممن في قرار داره، في شيء من مهمّاته، ثم يجعل عليه عينا فيما يرسل به من حيث لا يشعر، فإذا أدّى الرسول رسالته رجع بجوابها وسأل الملك عينه؛ فإن طابق ما قاله الرسول ما أتى به من هو