المقفّع ونحوه من المحدثين. وكما قيل في عيّ باقل- وهو رجل انتهى به العيّ إلى أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما، فسأله سائل في الطريق، وهو ممسك الظبي: بكم اشتريته؟ فلم يحسن التعبير عن أحد عشر، ففرق أصابعه العشرة وأخرج لسانه مشيرا إلى أحد عشر فتفلّت الظبي وفرّ هاربا-. وكمعرفة أئمة الصناعة: كالجرجاني والرّمّاني. وكذلك المعرفة بالأسماء التي اصطلح عليها أهلها، من الفصل، والوصل، والتشبيه كما تقدم، والمقابلة، والمطابقة، وغير ذلك من أنواعها.
أما أحتياجه إلى المعرفة بأسماء البلغاء ولغة أهل الصناعة، فلأنه ربما احتاج إلى تفضيل بعض من يكتب له ممن ينسب مثله إلى البلاغة فيفضله بمساواته لبليغ من البلغاء، أو إمام من أئمة الصنعة: كما كتب الوزير ضياء الدين بن الأثير في ذمّ كاتب: هذا وهو يدّعي أنه في الفصاحة أمّة وحده، ومن قسّ إياد وسحبان وائل عنده، وكما قال بعضهم يهجو ضيفا له:
أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل
فما زال عند اللّقم «١» حتى كأنّه ... من العيّ لمّا أن تكلّم باقل
ومما أتى على ذكر جماعة من أهل هذا الشأن قولي في كلام قليل جاء ذكره في آخر رسالة كتبت بها في تقريظ المقرّ الفتحيّ، صاحب دواوين الإنشاء الشريف، بالأبواب السلطانية بالديار المصرية- وهو:«على أنّي أستقيل من التقصير في إطرائه، والتعرّض في مدحه لما لا أنهض بأعبائه. فلو أن الجاحظ نصيري، وابن المقفّع ظهيري، وقسّ بن ساعدة يسعدني، وسحبان وائل ينجدني، وعمرو بن الأهتم يرشدني، لكان اعترافي بالتقصير أبلغ مما آتيه، وإقراري بالقصور أولى مما أخفيه من توالي طوله وأياديه» .