للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلى، أظهر فيها من شهد ألفاظه وجواهر معانيه ما حلا وحلى، ولم يدع للحلي في بهجتها محلا، وأحسن التذييل والترشيح «١» والتهكم عليه، من غير التفات لما أهمله ولم يتعرض إليه؛ وعادت المعاني تأوي من حسن تصرفه إلى ركن شديد، وتحوي بشبا «٢» أقلامه كل ما رامه من تأبيد التأييد؛ وتلقي مقاليدها منه إلى ملي بحسن التحيل والتحول في نظمه ونثره، وتحكم لمن حكم له بكمال وصفه ووصف كماله بأنه نسيج وحده وفريد عصره؛ وأجرى في حلبة البديع جياد أقلامه فحاز قصب الرهان، وأصفى لها موارد النفس فارتوت واستخرجت من ظلماته جواهر البيان، ونطقت بما هو المألوف من غرائب حكمه الحسان؛ وتأملتها فوجدتها قد أجاد فيها براعة المطلع، وبالغ في تحسين المنزع «٣» والمقطع، ودخل جنان الجناس فاجتنى من قطوفها الدانية ما راق، واطردت له أنهارها فاستطرد منها في أعلى الطباق؛ وقابل وجوه حورها أحسن المقابلة، آمنا فيها من الاشتراك والمماثلة، وأوضح الفروق بين التورية والإبهام، والتوجيه والاستخدام، وأبان في التتميم نقص أبي تمام، وأوجب في إبهامه عقد الخناصر على نظمه، وفوّض بنزاهته التسليم له وطلب سلمه، ولم يقنع بما فيه الاكتفاء من التذييل والتذنيب، بل أتى في الاستدارك على من تقدمه بالعجب العجيب، معتمدا في تكميل مقاصده الاقتصار والإيجاز، ولو ادعى الإعجاز على الحقيقة لا المجاز لجاز؛ وتحققت أن ليس له في هذا الفن مقاو ولا مقاوم، ولا مساو ولا مساوم، فكم جلب من بحر براعته درة أشرقت في ليالي الفترة المسودة، وكم حلب من ثدي يراعته درة «٤» لها ألف زبدة، وكم بلغ الناظر من وصف بيانه مجمع

<<  <  ج: ص:  >  >>