رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموظفة عليها، ونحن مع ذلك كاتبون بوصية:
لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط؛ وتزوّجوا القرائب فإنه أمسّ للرحم، وأثبت في النسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئا، ولا ترفضوها، فإن الآخرة لا تدرك إلا بها.
وأما رسائلهم ومخاطباتهم فمن ذلك رسالة الصديق رضي الله عنه إلى عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه حين تلكّأ عن مبايعته، على لسان أبي عبيدة ابن الجرّاح رضي الله عنه، مع ما انضم إلى ذلك من كلام أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وما كان من جواب عليّ عنها.
قال أبو حيّان عليّ بن محمد التوحيديّ البغداديّ «١» : سمرنا ليلة عند القاضي أبي حامد أحمد بن بشر المرورّوذيّ «٢» ببغداد، فتصرف في الحديث كل متصرّف؛ وكان غزير الرواية، لطيف الدراية، فجرى حديث السقيفة، فركب كلّ مركبا، وقال قولا، وعرّض بشيء، ونزع إلى فن. فقال: هل فيكم من يحفظ رسالة لأبي بكر الصدّيق، رضي الله عنه إلى عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وجواب عليّ عنها، ومبايعته إياه عقيب تلك المناظرة. فقال الجماعة: لا والله، فقال: هي والله من بنات الحقائق، ومخبّآت الصنادق؛ ومنذ حفظتها ما رويتها إلا لأبي محمد المهلّبي في وزارته، فكتبها عني بيده، وقال: لا أعرف رسالة أعقل منها ولا أبين، وإنها لتدلّ على علم وحلم، وفصاحة ونباهة، وبعد غور وشدّة غوص- فقال له العبّادانيّ: أيها القاضي فلو أتممت المنّة علينا بروايتها، أسمعناها، فنحن أوعى لك من المهلبيّ، وأوجب ذماما عليك، فاندفع وقال: