«حدثنا الخزاعيّ بمكة، عن أبي ميسرة، قال حدثنا محمد بن أبي فليح عن عيسى بن دوأب بن المتّاح، قال: سمعت مولاي أبا عبيدة يقول: لما استقامت الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار، بعد فتنة كاد الشيطان بها. فدفع الله شرّها ويسرّ خيرها، بلغ أبا بكر عن عليّ تلكّؤ وشماس، وتهمّم ونفاس. فكره أن يتمادى الحال فتبدو العورة، وتشتعل الجمرة، وتتفرّق ذات البين؛ فدعاني بحضرته في خلوة، وكان عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحده فقال: يا أبا عبيدة ما أيمن ناصيتك، وأبين الخير بين عينيك؛ وطالما أعزّ الله بك الإسلام وأصلح شأنه على يديك، ولقد كنت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمكان المحوط، والمحل المغبوط؛ ولقد قال فيك في يوم مشهود «لكلّ أمّة أمين وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة» ولم تزل للدّين ملتجا، وللمؤمنين مرتجا؛ ولأهلك ركنا، ولإخوانك ردءا «١» . قد أردتك لأمر خطر مخوف، وإصلاحه من أعظم المعروف، ولئن لم يندمل جرحه بيسارك ورفقك، ولم تجب حيّته برقيتك، وقع اليأس، وأعضل البأس، واحتيج بعد ذلك إلى ما هو أمرّ منه وأعلق، وأعسر منه وأغلق؛ والله أسأل تمامه بك، ونظامه على يديك. فتأتّ «٢» له أبا عبيدة وتلطّف فيه، وانصح لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلّم، ولهذه العصابة غير آل جهدا، ولا قال حمدا، والله كالؤك وناصرك، وهاديك ومبصّرك، إن شاء الله. امض إلى عليّ واخفض له جناحك، واغضض عنده صوتك، واعلم أنه سلالة أبي طالب، ومكانه ممن فقدناه بالأمس صلى الله عليه وسلّم مكانه، وقل له البحر مغرقة، والبر مفرقة، والجوّ أكلف «٣» ، والليل أغدف «٤» ، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصّعود