المكاتبة إلى الخلفاء ذكر ترتيبها إن شاء الله تعالى.
وإن كان المكتوب عنه ملكا، فقد جرت العادة أن يعبّر عنه بنون الجمع للتعظيم فيقال: فعلنا كذا، وأمرنا بكذا، واقتضت آراؤنا الشريفة كذا، وبرزت مراسيمنا بكذا، ومرسومنا إلى فلان أن يتقدّم بكذا، أو يتقدم أمره بكذا، وما أشبه ذلك. وذلك أن ملوك الغرب كانوا يجرون على ذلك في مخاطباتهم، فجرت الملوك على سننهم في ذلك. وفي معنى الملوك في ذلك سائر الرؤساء، من الأمراء، والوزراء، والعلماء، والكتّاب، ونحوهم من ذوي الأقدار العلية، والأخطار الجليلة، والمراتب السنيّة في الدّين والدنيا، ممّن يصلح أن يكون آمرا وناهيا، إذا كتبوا إلى أتباعهم ومأموريهم، إذ كانت هذه النون مما يختصّ بذوي التعظيم دون غيرهم. وشاهد ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ
«١» فدعاه دعاء المفرد لعدم المشاركة له في ذلك الاسم، وسأله سؤال الجمع لمكان العظمة، إلى غير ذلك من الآيات الواردة مورد الاختصاص له كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها
«٢» وقوله: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى «٣»
وقوله: نَحْنُ الْوارِثُونَ «٤»
وغير ذلك من الآيات. قال في «معالم الكتابة» : وقد أخذ كتّاب المغرب بهذا مع ولاة أمورهم في الجمع بالميم فخاطبوا الواحد مخاطبة الجمع مثل: أنتم، وفعلتم، وأمرتم، وما أشبه ذلك.
قلت: والأمر في ذلك عندهم مستمرّ إلى الآن. قال ابن شيث: وهو غير ما صوّر به عند غيرهم.