للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان المكتوب عنه مرؤوسا بالنسبة إلى المكتوب إليه كالتابع ومن في معناه، فقال في «موادّ البيان» : ينبغي أن يتحفّظ في شأن الكتب النافذة عنه من الإتيان بنون العظمة وغيرها من الألفاظ التي فيها تعظيم شأن المكتوب عنه مثل أن يقول: أمرت بكذا، أو نهيت عن كذا، أو أوعزت بكذا، أو تقدّم أمري إلى فلان بكذا، أو أنهي إليّ كذا، أو خرج أمري بكذا، وما في معنى ذلك مما لا يخاطب به الأتباع رؤساءهم، بل يعدل عن مثل هذه الألفاظ إلى ما يؤدّي إلى معناها مما لا عظمة فيه، مثل أن يقول: وجدت صواب الرأي كذا ففعلته، ورأيت السياسة تقتضي كذا فأمضيته، وما أشبه ذلك، إن كان عرف الكتّاب على الخطاب بالتاء، وإلا قال: وجد المملوك صواب الرأي كذا ففعله، ورأى السياسة تقتضي كذا فأمضاه، وما يجري هذا المجرى.

وأما المكتوب إليه، فقال أبو هلال العسكريّ في كتابه «الصناعتين» :

ينبغي أن يعرف قدر المكتوب إليه من الرؤساء، والنّظراء، والعلماء، والوكلاء؛ ليفرّق بين من يكتب إليه «أنا أفعل كذا» ومن يكتب إليه «نحن نفعل كذا» (فأنا) من كلام الأشباه والإخوان، (ونحن) من كلام الملوك؛ ويفرّق بين من يكتب إليه «فإن رأيت أن تفعل كذا» وبين من يكتب إليه: (فرأيك) . قال في «موادّ البيان» : وذلك إنّ قولهم فإن رأيت أن تفعل كذا لفظ النّظراء والمساوين، بخلاف فرأيك، فإنه لا يكتبه إلا جليل معظّم؛ لتضمنها معنى الأمر والتقدير فر رأيك، بخلاف فإن رأيت، فإنه لا أمر فيه، إذ يقال: فإن رأيت أن تفعل كذا فافعله. على أنّ الأخفش قد أنكر هذا على الكتّاب؛ لأن أقل الناس يقول للسلطان: انظر في أمري، ولفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال. وذكر مثله في «صناعة الكتّاب» عن النحويين. قال في «موادّ البيان» : وحجّة الكتّاب أن المشافهة تحتمل ما لا تحتمله المكاتبة؛ لأن المشافهة حاضر يحضر الإنسان لا يمكنه تقييده وترتيبه، والمكاتبة بخلاف ذلك، فلا عذر لصاحبها في الإخلال بالأدب. قال ابن شيث: وقد اصطلحوا على أن يكتب في أواخر الكتب:

<<  <  ج: ص:  >  >>