عنه والمكتوب إليه. فأما المكاتبات الصادرة عن الملوك والصادرة إليهم، فقد ذكر في «موادّ البيان» أنه لا يتمثل فيها بشيء من الشعر، إجلالا لهم عن شوب العبارة عن عزائم أوامرهم ونواهيهم والأخبار المرفوعة إليهم، بما يخالف نمطها ووضعها، ولأن الشعر صناعة مغايرة لصناعة الترسّل، وإدخال بعض صنائع الكلام في بعض غير مستحسن.
قلت: الذي ذكره عبد الرحيم بن شيث في كتابه «معالم الكتابة ومواضع الإصابة» أنه [يتمثّل] بالشعر في المكاتبات الصادرة عن الملوك دون غيرهم، وهو معارض لما ذكره في «موادّ البيان» . وكأنه في موادّ البيان يريد الكتب النافذة عن الملوك إلى من دونهم، أو ممّن دونهم إليهم. أما الملوك والخلفاء إذا كتبوا إلى من ضاهاهم في أبّهة الملك وقاربهم في علوّ الرتبة، فإنه لا يمنع التمثّل بأبيات الشعر فيها، تطريزا للنثر بالنّظم، وجمعا بين جنسي الكلام اللذين هما خلاصة مقاصده. وما زالت الخلفاء والملوك السالفة يخلّلون كتبهم الصادرة عنهم إلى نظرائهم في علوّ الرتبة بالأبيات الرقيقة الألفاظ، البديعة المعاني، للاستشهاد على الوقائع المكتوب بسببها، كما كتب أمير المؤمنين «عثمان بن عفّان» رضي الله عنه حين تمالأ عليه القوم واجتمعوا على قتله إلى عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: (طويل)
فإن كنت مأكولا، فكن خير آكل ... وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق
«١» ! وكما كتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه! إلى معاوية بن أبي سفيان، في جواب كتاب له حين جرى بينهما التنازع في الخلافة، فقال في أثناء كتابه: وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت، وعلى كلّهم بغيت؛ فإن يك ذلك كذلك فليست الجناية عليك، فيكون العذر إليك:(طويل)