معاوية فهلك هناك. فكتب يزيد إلى أبيه معاوية بذلك- فقال معاوية لزرارة: أتاني اليوم نعي سيد شباب العرب- قال زرارة يا أمير المؤمنين هو ابني أو ابنك؟ - قال بل ابنك فقال «للموت ما تلد الوالدة» . أخذ بعضهم هذا المعنى فقال:
وللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدّهر تبنى المساكن
ومن ذلك ما يروى، أن مروان بن الحكم، وهو وال على المدينة في خلافة معاوية حبس غلاما من بني ليث في جناية جناها بالمدينة، فأتته جدّة الغلام، وهي سنان بنت جشمية بن خرشة المذحجية، فكلمته في الغلام، فأغلظ لها مروان، فخرجت إلى معاوية فدخلت عليه فانتسبت له فعرفها، فقال: مرحبا بابنة جشمية ما أقدمك أرضنا؟ وقد عهدتك تشتمينا، وتحضّين علينا عدوّنا، قالت: يا أمير المؤمنين! إن لبني عبد مناف أخلاقا طاهرة، وأعلاما ظاهرة، لا يجهلون بعد علم؛ ولا يسفهون بعد حلم، ولا يشتمون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع ما سنّ آباؤه لأنت، قال:«صدقت نحن كذلك فكيف قولك:
عزب الرّقاد فمقلتي لا ترقد ... واللّيل يصدر بالهموم ويورد
يا آل مذحج لا مقام فشمّروا ... إنّ العدوّ لآل مذحج يقصد
هذا عليّ كالهلال تحفّه ... وسط السماء من الكواكب أسعد
خير الخلائق وابن عم محمد ... إن يهدكم بالنّور منه تهتدوا
ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا ... والنّصر فوق لوائه ما يفقد»
قالت قد كان ذلك يا أمير المؤمنين وأرجو أن تكون لنا خلفا بعده، فقال رجل من جلسائه كيف يا أمير المؤمنين؟ وهي القائلة:
إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل ... بالحقّ تعرف هاديا مهديّا
فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت ... فوق الغصون حمامة قمريّا
قد كنت بعد محمّد خلفا لنا ... أوصى إليك بنا وكنت وفيّا
واليوم لا حلف يؤمّل بعده ... هيهات نأمل بعده إنسيّا