أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين للذي حمّله الله من أعباء الإمامة، وأهّله له من شرف الخلافة، واستودعه من الأمانة في حياطة المسلمين، والاجتهاد لهم في مصالح الدنيا والدّين، يرى أن يراعي من بعد منهم ونأى، كما يراعي من قرب ودنا، وأن يلاحظ جماعتهم بالعين الكالية، ويطلبهم بالعين الوافية، ويتصفّح ظواهر أمورهم، وبواطن دواخلهم، فيحمد من سلك نهج السلامة، ويرشد من عدل عن الاستقامة، وينظم شمل الجماعة على الألفة التي أمر الله بها وحضّ عليها، ويزيلهم عن الفرقة التي ذمّها وو نهى عنها؛ إذ يقول جلّ من قائل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
«٢» . فلا يزال أمير المؤمنين يعرّفهم ما افترض الله عليهم من طاعة الأئمة وأولي الأمر الذين لا عصمة لمخالفهم، ولا ذمّة لمعاندهم، ولا عذر لمسلم ولا معاهد نأى بجانبه عنهم، وضلّ بوجهه عن سبيلهم، إذ كان الإمام حجة الله على خلقه، وخليفته في أرضه، وكانت الطاعة واجبة له ولمن قلّده أزمّة أموره، واستنابه في حمل الأعباء عنه، فمن آنس منه الهداية أحمده، ومن أنكر منه الغواية أرشده بالوعظ ما اكتفى به، أو بالبسط إن أحوج إليه. وإنّ أمير المؤمنين يسأل الله أن يوفّقه للرأي السّديد، ويمدّه بالصّنع والتأييد، ويتولّاه بالمعونة على كلّ ما لمّ «٣» الشعث، وسدّ الخلل، وقوّم الأود وعدل الميل؛ وأحسن العائدة على المسلمين جميعا في شرق الأرض وغربها، وسهلها وحزنها، إنه بذلك جدير، وعليه قدير، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.
وقد علمتم أن أمير المؤمنين أحسن إلى الرعيّة بما كان فوّضه إلى عضد