أما بعد حمد الله مانح القلوب السليمة هداها، ومرشد العقول إلى أمر معادها ومبداها، وموفّق من اختاره إلى محجّة صواب لا يضلّ سالكها، ولا تظلم عند إخلاف الأمور العظام مسالكها، وملهم من اصطفاه لاقتفاء آثار السّنن النبويّة والعمل بموجبات القواعد الشرعية، والانتظام في سلك من طوّقته الخلافة عقودها وأفاضت على سدّته الجليلة برودها، وملّكته أقاصي البلاد وأناطت بأحكامه السديدة أمور العباد، وسارت تحت خوافق أعلامه أعلام الملوك الأكاسرة، وشيّدت بأحكامه مناجح الدّنيا ومصالح الآخرة، وتبختر كلّ منبر من ذكره في ثوب من السيادة معلم، وتهلّلت من ألقابه الشريفة أسارير كلّ دينار ودرهم.
يحمده أمير المؤمنين على أن جعل أمور الخلافة ببني العبّاس منوطة، وجعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم القيامة محوطة، ويصلّي على ابن عمه محمد الذي أخمد الله بمبعثه ما ثار من الفتن، وأطفأ برسالته ما اضطرم من نار الإحن، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حموا حمى الخلافة وذادوا عن مواردها، وعمدوا إلى تمهيد المعالم الدينييّة فأقاموها على قواعدها، صلاة دائمة الغدوّ والرّواح، متصلا أوّلها بطرّة الليل وآخرها بجبين الصّباح.
هذا وإنّ الدين الذي فرض الله على الكافّة الانضمام إلى شعبه، وأطلع فيه شموس هداية تشرق من مشرقه ولا تغرب في غربه، جعل الله حكمه بأمرنا منوطا، وفي سلك أحكامنا مخروطا، وقلّدنا في أمر الخلافة المعظّمة سيفا طال نجاده، وكثر أعوانه وأنجاده، وفوّض إلينا أمر الممالك الإسلاميّة وإلى حرمنا تجبى ثمراتها، ويرفع إلى ديواننا العزيز نفيها وإثباتها، يخلف الأسد إن مضى في غابه شبله، ويلفى في الخبر والخبر مثله.
ولما أفاض الله علينا حلّة الخلافة، وجعل محلّنا الشريف محلّ الرحمة والرافة، وأقعدنا على سدّة خلافة أشرقت بالخلائف من آبائنا، وابتهجت بالسادة