الغطاريف من أسلافنا، وألبسنا خلعة هي من سواد السّؤدد مصبوغة، ومن سواد العيون وسويداوات القلوب مصوغة، وأمضينا على سدّتنا الشريفة أمر الخاصّ والعامّ، وقلّدنا كلّ إقليم من عملنا «١» من يصلح سياستها على الدّوام، واستكفينا بالكفاة من عمّالنا على أعمالنا، واتخذنا مصر دار مقامنا وبها سدّة مقامنا؛ لما كانت في هذا العصر قبّة الإسلام، وفيئة الإمام وثانية دار السّلام، تعيّن «٢» علينا أن نتصفّح جرائد عمّالنا، ونتأمّل نظام أعمالنا، مكانا فمكانا، وزمانا فزمانا، فتصفّحناها فوجدنا قطر اليمن خاليا من ولايتنا في هذا الزمن. عرّفنا هذا الأمر من اتخذناه للممالك الإسلامية عينا وقلبا، وصدرا ولبّا، وفوّضنا إليه أمر الممالك الإسلامية فقام فيها مقاما أقعد الأضداد، وأحسن في ترتيب ممالكها نهاية الإصدار وغاية الإيراد، وهو السّلطان الأجلّ، السيد الملك الناصر المبجّل، لا زالت أسباب المصالح على يديه جارية، وسحابة الإحسان من أفق راحته سارية، فلم يعد جوابا لما ذكرناه، ولا عذرا عمّا أبديناه، إلا بتجهيز شرذمة من جحافله المشهورة، وتعيين أناس من فوارسه المذكورة، يقتحمون الأهوال، ولا يعبأون بتغيّرات الأحوال، يرون الموت مغنما إن صادفوه، وشبا المرهف مكسبا إن صافحوه، لا يشربون سوى المدام «٣» مدامة، ولا يلبسون غير الترانك «٤» عمامة، ولا يعرفون طربا إلا ما أصدره صليل الحسام من غنا، ولا ينزلون قفرا إلا ونبت ساعة نزولهم من قنا. ولما وثقنا منه بإنفاذهم راجعنا رأينا الشريف، فاقتضى أن يكاتب من بسط يده في ممالكها، واحتاط على جميع مسالكها، واتخذ أهلها خولا «٥» ، وأبدى في خلال ديارها من عدم سياسته