للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعتاده واعتزّ بقياده واغترّ بأنّ الأرض له وما علم أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، فأمسك ومعه رؤوس أشياعه، وحصرت بالخوف نفوس أتباعه- ومنهم الطنبغا. وقد أحاط العلم الشريف بكيفية وصوله وحقيقة الخبر وما قاساه في طريقه من العبر، وداس عليه حتّى وصل من وخز الإبر. وكذلك من جاء معه، وخلّف وراءه الحقّ وتبعه، بعد الهزيمة التي ألجأهم إليها خوف العساكر المنصورة التي قعدت لهم على الطريق وأخذت عليهم بمدارج أنفاسهم في فم المضيق، وعبّئت لهم صفوف الرجال، وأعدّت لهم حتوف الآجال، وحيّرتهم في سعة الفجاج، وأرتهم بوارق الموت في سحب العجاج. ثم لم يصلوا إلا وهم أشلاء ممزّقة، وأعضاء مفرّقة قد فني تحتهم الظهر، وقني بيومهم الدّهر، وساقتهم سعادة سلطان المقام العالي إلى شقاوتهم وهم رقود، وعبّئت لهم الخيل والخلع إلا أنها ملابس الذّلّ وهي القيود. فأخذوا جميعا ومن كانوا على موالاته، وفارقوا الجماعة لمواتاته، وحملوا إلى الحبس النائي المكان، وأودعوا أحياء في ملحده إلّا أنهم كالأموات، وقد نالوا المقصد إلا أنهم ما أمنوا الفوات. ووكّل بحفظهم إلى أن يشرّف سرير الملك بقعود مقامه وعقود أيّامه الحوالي، وسعود زمانه الذي لا يحتم بالنجوم إلا خدم الليالي.

وهذا النصر إنما تهيّأت- ولله الحمد- أسبابه، وهذا الفتح إنما فتحت بمشيئة الله أبوابه، بمنّة الله ونيّة المقام العالي لا بمنّة أحد، ولا بمنّة بأس من أقدر ولا يأس من حجر، وما قضى الله به من سعادة هذه الأيام، ومضى به القدر السابق وعلى الله التمام، وبمظافرة الجناب الكريم السّيفيّ، قطلوبغا الفخريّ الساقي الناصريّ، أدام الله نصرته لهذه العصابة المؤيّدة. وبمضاء عزائمه التي ماونت، وقضاء قواضبه التي ما انثنت، وبموازرة من التفّ عليه من أكابر الأمراء، وبما أجمعوا عليه من مظافرة الآراء، ونزولهم على النية لا يضرّهم من خذلهم، ولا يهينهم من بذلهم، ولا يبالون بعساكر دمشق المقيمة على حلب ومن مال إليهم، وتمالأ معهم عليهم، ومن انضاف إليهم من جنود البلاد، وجيوش العناد، ولا لواهم ما كان يبعث إليهم ذلك الخائن من وعيده، ولا ولّاهم

<<  <  ج: ص:  >  >>