على شيء إلى أن بلغ طبريّة للذي تداخله من الفرق «١» ، واستولى عليه من القلق، ولما سكن قلبه من الرّعب، وحشاه من الرّهب، بقصد أمير المؤمنين إيّاه وإغذاذه «٢» السير في طلبه ومواصلته الأسباب، ومتابعته الإدآب. ووصف أمير المؤمنين ما عليه عزمه في تتبّعه واقتفاء أثره، والحلول بعقوته «٣» حيث قصد وحلّ، لثقته بالله ربّه، وتوكّله عليه، وتفويضه إليه. ولم يزل جلّ وعز يولي أمير المؤمنين- بعد نفوذ كتابه- من عزّ يؤيده، وظفر يؤكّده، ونصر يوطّئه؛ وآلاء يجدّدها، ومواهب يتابعها، وعدوّ يذلّه، ومناو يقلّه، وشارد يصرفه إلى طاعته، ومارق يعيده إلى موالاته، إلى أن تمّ له من ذلك ما واصل به حمد الله عليه، وتهيّأ له ما تواتر شكره له جل وعزّ فيه وكان مع ذلك مواصلا إلى.
اللعين الإعذار، ومتابعا الإنذار، ومحذّرا له ما يعذر، ومستدعيه إلى ما يختار ويؤثر، وممنّيا له مما يمنّى به مثله من العفو عنه، وتغمّد ما جرى منه، والإقالة لعثرته، والتجاوز عن هفوته، والامتنان عليه بما رغب فيه من تقليده ناحية من نواحي الشام، وإدرار الأرزاق عليه وعلى رجاله وأصحابه، وإيثارة بالفضل الجليل، واختصاصه بالطّول الجزيل. فما نجح في الفاسق وعد، ولا نجع فيه وعظ، ولا وفّق إلى قبول حظ، ولا أصغى إلى قبول تذكرة، ولا أناب إلى تبصرة. وما زال جادّا في تهوّكه «٤» ، متماديا على تمهّكه «٥» ، جاريا على ضلالته، سالكا سبيل عمايته، مترددا في غوايته، متلدّدا في جهالته، مقدّرا أن بأس الله لا يرهقه، وسطوته لا تلحقه، ورجزه لا يمحقه، وذنوبه لا تزهقه، وأجرامه لا توبقه. وما زال اللّعين في خلال ذلك يبسط آمال العرب ويرجّيها، ويرغّبها ويمنّيها؛ بأقوال كاذبة، وآمال خائبة، ومواعيد باطلة، حتّى أصغى أكثرها إلى غروره، وقبول إفكه