وزوره، وأجابته طائفة طاغية، ووصلت إليه متتابعة، فتوفّر جمعه، وكثر عدده واشتدّ طعمه، وقوي أمله، وتمكن له باستدراج الله إيّاه وغضبه عليه أن يورّط عصبته ومن اختدعه بغيّه واستفزّه معه جهله، ويوردهم جميعا ونفسه الرّذلة موردا لا صدر له، ولا علل بعده؛ فخرج من طبريّة وحلّ بيسان، محلّ الخزي والهوان، فعندها انتهى إلى أمير المؤمنين خبره وهو يومئذ في المنهل، الذي حصل فيه بعد رحيله من الرملة وهو الموضع المعروف بالطّواحين. فعندما قرب استجرار الفاسق اللعين، واعتمد ما يعود بأطماعه، أقام في الموضع أياما ناظرا فيما يحتاج إليه، متأهّبا لما يريده، وكان ذلك هو السبب الذي أطعمه. فبعد ما طمع قاده الحين «١» الغالب، والقدر الجالب، وما أراد الله عز وجلّ من استدراجه إلى موضع نكاله، ومنهل وباله، ورحل من بيسان «٢» رحيل من استعجلته البليّة، واستدعته الرّزيّة، فحلّ بموضع يعرف بكفر «٣» سلّام، كافرا بحدود الإسلام، متجرّئا على الله محاربا لنجل نبيّه عليه السّلام، وأقام بها متلدّدا في حيرته، متردّدا في سكرته؛ ثم استجرّه شؤمه، وقاده حينه ولؤمه، إلى أن رحل فنزل بكفر «٤» سابا البريد، فأنبأه اسمها بما حلّ به من السّبي المبيد والخزي الشديد ثم لم يلبث أن ضرب مضاربه المأكولة، ونصب أعلامه المخذولة، وأقام صفوفه المفلولة، وأظهر آلة الحرب إقداما، و [أخفى] عن اللقاء إحجاما.
فأمر أمير المؤمنين بتزيين العساكر المنصورة والجيوش المظفّرة وتعبئتها على مراتبها، وترتيبها على مواكبها. وتقدّم إلى قوّادها أن لا يمشوا إلا صفّا، ولا يسيروا إلا زحفا، وعرّفهم أنه سيسير بنفسه، ويقصد اللعين بموكبه وجمهوره