ومن معه من حماة رجاله، وأنه لا يثنيه عن الفاسق ثان ولا يصرفه عن الاقتحام صارف، فبدا من عزائمهم، وشدّة شكائمهم، وخلوص بصائرهم، وسكون أفئدتهم، وثبات أقدامهم، ما كانت به دلائل النصر واضحة، وشواهد الفلج لائحة، وعلامات الفتح ظاهرة، وآيات النّجح باهرة، فمشوا على ما أمروا، وساروا على ما سيّروا، فعند ما دنوا من عدوّ الله أصابوه للجلاد معدّا، وفي المحاربة مجدّا، واستخاروا الله عز وجل وتدانوا للتّلاق، والأخذ بالنواصي والأعناق وقامت الحرب على ساق، وتجرّع منها أمرّ مذاق، فاستطار شرارها، وتأججّت نارها، وارتفع دخانها، وعظم شانها، والتزم الأقران بالأقران، واشتدّ الضّرب والطّعان، إلى أن مشى أمير المؤمنين بنفسه، وجمهور موكبه، متوكّلا على الله، ماتّا إليه بجدّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، متوسّلا بمتقدّم وعده، وسالف إنعامه عنده، وقصد اللعين غير متلوّم عن مصادمته، ولا معرّج عن ملاحمته، فقويت نفوس أوليائه وعبيده، ومن اشتملت عليه عساكره المنصورة، وجيوشه المظفّرة بما تبيّنوه من إقدامه، وشاهدوه من اعتزامه، وحملوا على الفاسق وأحزابه، وقذف الله في قلوبهم الرّعب فتزلزلت أقدامهم، وأرعشت أيديهم ونخبت أفئدتهم، وولّوا الدّبر منهزمين، ومنحوا ظهورهم مولّين، وافترقوا ثلاث فرق:
فرقة قتلت في المعركة، وصرعت في الملحمة؛ فاحتزّت رؤوسهم، وفرقة أحسّت وقع السّيوف وإرهاق الحتوف، فاستأمنت تحت الذّلّة والصّغار، والغلبة والاقتدار، فبقّيت عليهم الأرواح، وحقنت منهم الدّماء. وفرقة أسرت أسرا، وقيّدت قيدا، وهرب التّركيّ اللعين رئيس ضلالتهم، وعميد كفرهم، في شر يذمة من أصحابه، فظنّ أن ذلك من بأس الله ينجيه، ومن الأخذ بكظمه يوقيه، هيهات! كما قال الله عز وجل: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ «١»