وخفاف الرّجال، مع مفرّج بن دغفل بن جراح، فأخذه قبضا وأتى به قودا أسيرا من غير عهد، وذليلا من غير عقد، واستولى أهل العساكر المنصورة، والجيوش المظفّرة، على مناخه وسواده، وما كان فيه من مال وأثاث وكراع «١» وقناع «٢» ، وقليل وكثير، وجليل وحقير، فحازوه واتّسعوا به، وأكثروا من حمد الله، وانصرفوا إلى معسكرهم سالمين، بالمغنم والظّفر آمنين، لم يكلم منهم أحد، ولم ينقص لهم عدد. وكان جملة ما أتوا به معهم من رؤوس الفسقة زائدا على ألف رأس، ومن أسراهم ثمانمائة أسير، غير من استؤمن وقت الإيقاع بهم، ولم يفلت من الفسقة إلا من هرب بحشاشة نفسه مع من لاءم التركيّ اللعين، وصاحب عقده ومورّطه في هلاكه، وقائده إلى نقماته، وسائقه إلى موبقاته «٣» ، وهو كاتبه المعروف بابن الحمارة. فلحق بطبريّة فقتل هو وجلّ من كان معه واحتزّ رأسه وأتي به، فكملت النعمة، وتمت الموهبة، وتجدّد حمد أمير المؤمنين واتصل شكره، لما أولاه من جليل عطائه، وكريم حبائه، وسنيّ آلائه.
وكان ما آتاه الله من عظيم آياته، وأكبر شواهده، واختصاص الله إيّاه وانتخابه له.
فالحمد لله! ثم الحمد لله! ثم الحمد لله ربّ العالمين على عطائه الهنيّ، وحبائه السّنيّ، وما أيّد أمير المؤمنين، وأعزّ الدين، وقمع المشركين، إذ كان الفاسق اللعين، التركيّ الغويّ المبين، ثلّة من ثللهم وركنا من أركانهم، وحزبا من أحزابهم، ووثنا من أوثانهم، وطاغية من طواغيتهم. ولم يكن لهم في بلد المسلمين يد تصدّ عنهم بأس غيرهم، ولا عضد يدفعون بها سواه. وأمير المؤمنين يرغب إلى الله عز وجلّ أن يوزعه الشّكر على ما أولاه، ويوجده سبيلا إلى بلوغ مبتغاه، من إعزاز الملّة والدّين، وإحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، ومجاهدة التّرك والمشركين، وقمع الظالمين والقانطين والمارقين، حتّى يكون الدين كلّه لله، ويجمع القلوب على طاعته بإذن الله.