ولم تنفكّ لزينة دستها مستبطئة، وفي التلهّف على تأخّر ذلك معيدة مبدئة، فأحسن إلى الكافّة قولا وفعلا، وعمل في حقّ الدولة ما لم يجعل له في الوزراء شبها ولا في الملوك العظماء مثلا، وغدا للملّة الحنيفيّة حجّة وبرهانا، وأولى الأولياء إعزازا وتكريما والأعداء إذلالا وإهوانا. وصان الخلافة عن نفاذ حيلة، وتمام غيلة، ومخادعة ماكر، ومخاتلة غادر؛ فلذلك انتضاه أمير المؤمنين حساما باترا ماضي الغرار، واجتباه هماما في المصالح لا يطعم جفنه غير الغرار، واصطفاه خليلا وظهيرا لتساوي باطنه وظاهره في الصّفاء، واستخلصه لنفسه لمفاخره الجمّة التي ليس بها من خفاء. وانتظمت الأمور بكفالته في سلك الوفاق، وعمّت الخيرات بوزارته عموم الشمس بأنوارها جميع الآفاق، فسعدت بنظره الجدود، وتظاهرت ببركاته الميامن والسّعود. وأصبح غصن المعالي بيمنه مورقا، وعلى الملّة من يمن آرائه تمائم من مسّ الحوادث ورقى، فآثاره توفي على ضياء الصّباح، وعزماته تزري بمضاء المهندة الصّفاح، ومآثره تفوت شأو الثناء وغاية الامتداح. فالله تعالى يحفظ النعمة على الخلافة الحافظيّة، ويوزع شكره على سبوغها كافّة البريّة؛ بكرمه وفضله، ومنّه وطوله.
ولما أمعن بهرام في الهرب، وجدّت العساكر المنصورة وراءه في الطّلب، وضاقت عليه المسالك، وتيقّن أنه في كل وجهة يقصدها هالك، عاد لمكارم الدولة وعواطفها، وسأل أمانا على نفسه من متالفها، فشملته الرحمة، وكتب له الأمان فعاودته النّعمة، واختلط برجال العساكر المنصورة، وصار حظّه بعد أن كان مبخوسا من الحظوظ الموفورة.
وأما اعتذار الكاتب عما وجّه إليه بأنّ من الكلام ما إذا نقل من لغة إلى لغة أخرى اضطرب مبناه فاختلّ معناه، ولا سيما إن غرس فيه لفظ ليس في إحدى اللّغتين سواه، فقد أبان فيما نسب إليه السهو فيه عن وضوح سببه، وقد قبل عذره ولم تفكّ يده عن التمسّك به.
وأما ما سيّرته إلى خزائن أمير المؤمنين تحفة وهديّة، وأبنت به عن همّة