وغيرهما من أهله، فدلّوه بالغرور، وحملوه على ما قضى بالاستيحاش منه والنّفور، وقوّوا عزمه فيما يؤدّي إلى اضطراب الأحوال واختلال الأمور، فامتعض العساكر المنصورة مما أساء به سياستهم، وأبوا الصبر على ما غيّر به رسمهم وعادتهم. فلما رأى أمير المؤمنين ذلك استعظم الحال فيه، وتيقّن أن التغافل عنه يقتضي بما يعسر استدراكه وتلافيه، فكاتب وليّه وصفيّه الذي ربّي في حجر الخلافة، وسما به استحقاقه إلى أعلى درج الإنافة، وحصلت له الرياسة باكتسابه وانتسابه، وغدا النظر في أمور المملكة لا يصلح لغيره ولا يليق إلا به، السيد الأجلّ الأفضل، وهو يومئذ والي الأعمال الغربية. وصدرت كتب أمير المؤمنين تشعره بهذا الأمر الصّعب، وتستكشف به ما عرا الدولة من هذا الخطب، فأجاب دعاءه، ولبّى نداءه، وقام قيام مثله ممن أجزل الله حظّه من الإيمان، وجعله جلّ وعز حسنة هذا الزمان، واختصّه بعناية قويّة، وأمدّه بموادّ علويّة، وأيّده بإعانة سماويّة، تخرج عن الاستطاعة البشريّة. فجمع الناس وقام خطيبا فيهم، وباعثا لهم على ما يزلفهم عند الله ويحظيهم؛ وموضّحا لهم ما يخشى على الدولة من الأمر المنكر، فاجتمعوا إليه كاجتماعهم يوم المحشر، وغصّت النّجود والأغوار، وامتلأت السّهول والأوعار، وضاقت الأرض على سعتها بالخلائق، وارتفعت في توجّههم لطلب المذكور الأعذار والعوائق. ولم يبق فضاء إلّا وهو بهم شرق «١» ، ولا أحد إلا وهو منزعج بقصده وعلى تأخّر ذلك قلق. وكان بهرام وأصحابه بالإضافة إليهم كالشامة في اللّون البسيط، وكالقطرة في البحر المحيط، وساروا مع السيّد الأجلّ الأفضل نحوه مسارعين، وعلى الانقضاض عليهم متهافتين. فلما شعر بذلك لم يبق له قرار، ولاذ بالهرب والفرار، يهجر المناهل، ويطوي المراحل، ويرى الشّرود غنما، ويعدّ السّلامة حلما. واستقرّت وزارة أمير المؤمنين لهذا السيد الأجلّ الأفضل الذي لم تزل فيه راغبة، وله خاطبة، ونحو تولّيه إيّاها متطلّعة، وإلى نظره فيها مبادرة متسرّعة،