وتوافت إلى حضرتي وجوه القبائل من عقيل وشيبان وغيرهما في الجمع الكثيف من صعاليكهما، والعدد الكثير من صناديدهما، داخلين في الطاعة، متصرّفين في عوارض الخدمة.
فلما شارفت الحديثة «١» ، انتقضت عزائم صبره، وتقوّضت دعائم أمره، وبطلت أمانيّه ووساوسه، واضمحلّت خواطره وهواجسه، واضطرب عليه من ثقاته وغلمانه من كان بهم يعتضد، وعليهم يعتمد، وبدأوا بخذلانه والأخذ لنفوسهم، ومفارقته والطّلب بحظوظهم، وحصل «٢» منهم بحضرتي إلى هذه الغاية زهاء خمسمائة رجل ذوي خيل مختارة، وأسلحة شاكية، فصادفوا عندي ما أمّلوا من فائض الإحسان، وغامر الامتنان، وذكروا عمّن وراءهم من نظرائهم التنزّي «٣» إلى الانجذاب، والحرص على الاستئمان، وأنهم يردون ولا يتأخّرون، ويبادرون ولا يتلوّمون.
ولمّا رأى ذلك، لم يملك نفسه أن مضى هاربا على طريق سنجار «٤» ، منكشفا عن هذه الدّيار، قانعا من تلك الآمال الخائبة، والظّنون الكاذبة، بسلامة حشاشة هي رهينة غيّها، وصريعة بغيها.
وكان انهزامه بعد أن فعل الفعل السّخيف، وكادنا الكيد الضّعيف، بأن