الجانب العزيز، والحرز الحريز، وأن أجرى الله «١» على يده الحرب الواقعة بينه وبين المعروف بكنيته أبي البركات، التي لقّاه الله فيها نحسه، وأتلف نفسه، وصرعه بعقوقه وبغيه، وقنّعه بعاره وخزيه. وهو مع ذلك لا يتّعظ، ولا ينزع «٢» ولا يقلع ولا يزدجر، إصرارا على الجرائر التي الله عنها حسيبه، وبها طليبه، والدّنيا والآخرة مرصدتان له بالجزاء المحقوق عليه، والعقاب المسوق إليه.
وأعظم من هذا كلّه- أيد الله أمير المؤمنين- خطبا، وأوعر مسلكا ولحبا «٣» ، أنّ من شرائط العهد الذي كان عهد إليه، والعقد الذي عقد له، والضّمان المخفّف مبلغه عنه، المأخوذ عفوه منه، أن يتناهى في ضبط الثغور وجهاد الرّوم وحفظ الأطارف، ورمّ الأكناف، فما وفى بشيء من ذلك، بل عدل عنه إلى الاستئثار بالأموال واقتطاعها، وإحرازها في مكامنها وقلاعها، والضّنّ بها دون الإخراج في وجوهها، والوضع لها في حقوقها، وأن تراخى في أمر عظيم الرّوم مهملا، واطّرح الفكر فيه مغفلا، حتّى هجم في الديار، وأثّر الآثار، ونكى القلوب، وأبكى العيون، وصدع الأكباد، وأحرّ الصّدور، فما كان عنده فيه ما يكون عند المسلم القاريء لكتاب الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
«٤» بل صدف عن ذكر الله لاهيا، وعدل عن كتابه ساهيا، واستفسخه ذلك البيع والعقد، وتنجّزه الوعيد لا الوعد، ولاطف طاغية الرّوم وهاداه، وماره «٥» وأعطاه، وصانعه بمال المسلمين الذي