بين من يعرف الحكم عن دليل ومن جمد على التقليد مع جزم الاعتقاد.
ولم أر في عيوب الناس شيئا ... كنقص القادرين على التّمام
وقد ثبت في العقول أن البناء لا يقوم على غير أساس. والفرع لا ينبت إلا على أصل، والثمر لا يجتنى من غير غراس.
وكنت في حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة عند استقراري في كتابة الإنشاء بالأبواب الشريفة السلطانية، عظم الله تعالى شأنها! ورفع قدرها! وأعز سلطانها! أنشأت مقامة بنيتها على أنه لا بدّ للإنسان من حرفة يتعلق بها، ومعيشة يتمسّك بسببها. وأن الكتابة هي الصناعة التي لا يليق بطالب العلم من المكاسب سواها. ولا يجوز له العدول عنها إلى ما عداها. وجنحت فيها إلى تفضيل كتابة الإنشاء وترجيحها. وتقديمها على كتابة الأموال وترشيحها.
ونبّهت فيها على ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الموادّ. وما ينبغي أن يسلكه من الجوادّ «١» . وضمنتها من أصول الصنعة ما أربت به على المطوّلات وزادت وأودعتها من قوانين الكتابة ما استولت به على جميع مقاصدها أو كادت.
وأشرت فيها إلى وجه تعلّقي بحبال هذه الصنعة وإن لم أكن بمطلوبها مليّا «٢» وانتسابي إلى أهلها وإن كنت في النسبة إليها دعيّا.
وليس دعيّ القوم في القوم كالّذي ... حوى نسبا في الأكرمين عريقا
إلا أنها قد وقعت موقع الوحي والإشارة. ومالت إلى الإيجاز فاكتفت بالتلويح عن واسع العبارة، فعزّ بذلك مطلبها. وفات على المجتني ببعد التناول أطيبها. فأشار من رأيه مقرون بالصواب. ومشورته عريّة عن الارتياب.
أن أتبعها بمصنّف مبسوط يشتمل على أصولها وقواعدها. ويتكفّل بحلّ رموزها