على طول ما تشتمل الوحى تنتعل الوجى «١» ، والأيام زاهرة، والآيات باهرة، وعزّة أوليائها قاهرة، وذلّة أعدائها ظاهرة، وعنايات الله لديها متوالية متظاهرة، إذا تغرّب اسمها يوما عن منبر أعيد إلى وطنه غدا، وإذا أوقدت نار فتنة في معصيتها أوقدت في طاعتها نار هدى.
وقد كان النيل قدما فرّت عن الفرات أبناؤه، وتحصّنت غلل «٢» المؤمنين عنه فلم يتغلغل إليها ماؤه، وكادت السماء لا تعينه بمطرها، والأرض لا توشّيه بزهرها، والأعناق قد تقاصر دون الراجين بدو منعصها «٣» ، والقلوب قد لاذت بأستار الجدار معضها «٤» ، والأوثان منصوبه، والآيات مغصوبه، والتّيجان بغير أكفائها من الهامات معصوبه، والّدين أديانا، والمذكّرون بالآيات يخرّون عليها صمّا وعميانا، والعادلون بالله قد وطّنوا ألسنة وصرّحوا عقائد، والمعتدون قد أضلّوا فعالا وضلّوا مقاصد، وكراسيّ خلافة الله قد ألقي عليها أجساد كانت تقعد منها مقاعد، ومنابر كلمات الله قد كاد كيدهم يأتي بنيانها من القواعد، وجرت على بنوة النّبوة أشدّ نبوه، وقصرت الأيدي فلا حدّ سوط ولا حدّ سطوه، ثم قست قلوب فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
«٥» وغرّت الأيّام وما وعدت، وأوردت الهمم وما أصدرت، وطغى طوفان الطّغيان ولا عاصم، وسما بناء البهتان ولا هادم، وضاقت الصّدور، ورحلت بغليلها إلى القبور، وظنّ أنّ طيّ دولتهم معدوق بالنّشور، حتّى إذا جلّاها الله لوقتها، وأنجز جموع الضّلال إلى ميعاد شتّها، وأراهم آية معدلته وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها