للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطانه، قبل نصال أجفانه، لا جرم «١» أنّ كتائب الرّعب سارت أمام الكتائب، وقواضب الحذر غمّضت في جفونها عيون القواضب- وسار أولياء أمير المؤمنين الذين تجمّعوا من كلّ أمّة، وتداعوا بلسان النّعمة، وتصرّفوا بيد الخدمة، وصالوا بسيف العزمة، متواخية نيّاتهم في الإقدام، متآلفة طويّاتهم في طاعة الإمام، كالبنيان المرصوص انتظاما، وكالغاب المشجر أعلاما، وكالنّهار الماتع حديدا وهّاجا، وكالليل الشامل عجاجا عجّاجا، وكالنهر المتدافع أصحابا، وكالمشط المطّرد اصطحابا، والأرض ترجل برجلهم لما ترفعه الحوافر من غيومها، والسماء تنزل نزولهم لما تضعه الذّوابل من نجومها، فما انتشرت رياضها المزهره، وغياضها المشجره، إلا دلّت على أن السّحاب الذي سقاهم كريم، والإنعام الذي غمرهم عظيم، والدّنيا التي وسعتهم من عزمتهم تظعن وتقيم.

ولما علم العدوّ أنّ الخطب المظنون قد صرّح خطابه، والأمل المخدوع قد صفر وطابه، راسل ورأى سلّ السّيوف يغمده، وماكر وماكرّ لعلمه أن الحتف يعمده، واندفع هاربا هائبا، وخضع كائبا كاذبا، فمضى المملوك قدما، وحمّله ظلمه وقد خاب من حمل ظلما، وأجابه بأنه إن وطيء البساط برجله وإلا وطئه برأسه، وإن قدم على المملوك بأمله وإلا أقدمه بيأسه، وإن لم يظهر أثر التوبة وإلّا أقام «٢» عليه الحدّ بسكرة الموت من كأسه، فلم يخرج من مراوغة تحتها مغاوره، ومكاسرة وراءها مكاشره، فاستخار الله في طلبه، وانتهز فيه فرصة شغل قلبه بريبه، ولم يغرّه ما أملي له في البلاد من تقلّبه. وسار ولم يزل مقتحما، وتقدّم أوّل العسكر محتدما، وإذا الدار قد ترحّل أهلها منها فبانوا «٣» ، وظعنوا عن ساحتها فكأنّهم ما كانوا، ولم يبق إلا مواقد نيران رحلت قلوبهم

<<  <  ج: ص:  >  >>