بضرامها، وأثافيّ «١» دهم أعجلت المهابة ما ردّ سغبهم «٢» عن طعامها، وغربان بين كأنها في الديار ما قطع من رؤوس بني حامها، وعوافي طير كانت تنتظر من أشلائهم فطر صيامها، وعادت الرسل المنفّذة لاقتفاء آثارهم وأداء أخبارهم، ذاكرة أنهم لبسوا الليل حدادا على النعمة التي خلعت، وغسلوا بماء الصبح أطماع نفس كانت قد تطلعت، وأنهم طلعوا الأوعار أوعالا والعقاب عقبانا، وكانوا لمهابط الأودية سيولا ولأعالي الشّجر قضبانا- فرأى المملوك أن الكتاب فيهم قد بلغ أجله، والعزم منهم قد نال أمله، والفتك بهم قد أعمل منصله «٣» ، وأن سيوف عساكر أمير المؤمنين منزّهة أن تريق إلا دماء أكفائها من الأبطال، وأن تلقى إلا وجوه أنظارها من الرجال، وأن المذكورين نمل حطمه سليمان عليه السّلام وجنوده، ورمل أطاره العاصف الذي يسحفه «٤» ويقوده- وأصدر هذه الخدمة والبلاد من معرّتهم عارية، والكلمة بانخفاضهم غالية عالية، ويد الله على أعدائه عادية، وأنفس المخاذيل في وثاق مهابته العالية عانية- فرأى المملوك أن يرتّب بعده الأمير فلانا ليبذل الأمانات، لسوقة أهل البلاد ومزارعيها، ويفصل المحاكمات، بين متابعي السلطنة ومطاوعيها، ويفسّح مجال الإحسان لمعاودي المواطن ومراجعيها، فيعمر من البلاد ما قد شغر، ويشعر بالأمنة من لا شعر، فإنّ مقام المملوك ومن معه من عساكر تمنع الشمس من مطلعها، وتردّ جرية البحر عن موقعها، مما يضرّ بالغلال وينسفها، ويجحف بالرّعايا ويعسفها.
فالحمد لله الذي جعل النصر لائذا بأعطاف اعتزامه، وأنامل الرّعب السائر إلى الأعداء محرّكة عذبات أعلامه، والعساكر المناضلة بسلاح ولائه،